السبت، 2 يوليو 2016

ما هو الشرف ؟!

(1)
منذ أعوام خلت وقعت في يدي رواية البؤساء لفيكتور هوغو - في نسخة من 600 صفحة كانت قمة في الامتاع , والرواية لمن لا يعرفها تدور أحداثها حول الثورة الفرنسية و التغيرات التي أصابت المجتمع وقتها, و قيم مثل الحرية و الوفاء بالعهد و الاخوة و الجمهورية..
و الكثير من حبكات لقصة تدور في متابعة شخصيات ملتزمة بعهود قطعتها أمام نفسها أو أمام اشخاص فارقوا الحياة , وكان يمكن للأبطال تجاهل هذه الوعود و الالتزامات دون ان يكتشف أحد الامر , لكن دوما كان الضمير الإنساني و الشرف محركا لهم .
بالمقابل فإن بطلة القصة الأساسية - كوزيت - كانت إبنة غير شرعية لفتاة لعوب بمقاييس المجتمع . لكن الراوي لم يعلق علي هذه النقطة أي حوارات أو حديث أو جانب من العار , بل احال الفضيلة لقيم الوفاء بالعهد و الصدق و القتال من أجل الحرية و العطف علي الفقراء و الدفاع عن المظلومين . هذه كانت قائمة الشرف بالمقابل كانت قائمة العار و الخزي هي الكذب و الجشع و السرقة وخيانة الولاء - سواء ضد الملكية أو الضد الجمهورية- و تجلي ذلك المشهد في انتحار المفتش جافيير حين فشل في أداء واجبه القانوني من إعتقال جان فال جان .
في ذلك الوقت لم أتوقف كثيرا في نقطة أن بطل القصة سليل الأسرة الأرستقراطية سيتزوج من فتاة مجهولة النسبة. كون ان هؤلاء كفار , ليس لهم إحترام للاعراض ولا ليس لهم أخلاق.


(2)


بعدها طالعت عن الواقع التاريخي للعرب قبل الإسلام , فوجدت الاعتداد بقيم اغاثة الضعيف و إكرام الضيف , و إعتبار الكذب و خيانة الأمانة والبخل و الهرب من المعارك بمثابة العار الأعظم الذي إن لحق بقبيلة فلا يمكن محوه – ما زلت أحفظ اشعارا تهجو قبائلا إندثرت منذ أكثر من ألف عام - .
ويبدو أن هذه القيم كانت سائد وشكلت العرف الذي إجتمع عليه العرب .
بالمقابل فإن عدد ذات المجتمعات سمحت بصور من العلاقات أو الزيجات التي حرمها الاسلام لاحقا وهي , مثل الاستبضاع وهي أن يرسل الرجل زوجته تعرض نفسها علي سادة القوم و البيوت اصحاب الكرم و الشجاعة حتي يصبح الولد – الذي ينسب له لاحقا- حاملا لتلك الصفات , و يمكن الرجوع الي بقية الأنكحة التي كانت قبل الاسلام و التي أتحفظ عن ذكرها لخدشها للحياء العام .
المهم , تعجبت جدا أن العرب الذين يضعون الشرف كقيمة عظمى قبلوا بهذه الممارسات في مجتمعاتهم , و التي كنت منتشرة لدرجة أن القرآن أنزل آيات وتشريعات تمنعها و تنظم الارتباط بما يحفظ الحقوق و يضمن استقرار الأسرة و بالتالي المجتمع
إذا كيف لهم أن يتفاخروا بالشرف و المروءة وهذه الممارسات أعراف إجتماعية في مجتمعهم , دون أن يكرسوا كل أشعارهم لنقدها أو التبرؤ منها , بل إكتفوا بالتفاخر بالشجاعة و الكرم و إغاثة الملهوف و الأمانة...الخ 


(3)


لفترة من الزمن كنت منهمكا بمطالعة كتابات محمد قطب وسيد قطب عن المجتمع المسلم و ما يجب أن يكون عليه من قيم و أخلاق وتزامن ذلك مع فترة دراستنا لسورة النور في الفترة الثانوية و التي بالتحديد تناولت هذه المسأئل بالكثير من التفصيل و الأحكام المباشرة و القطعية.
وزاد ارتباكي مرة اخرى , فإذا كانت عقوبة الزنا هي مئة جلدة بسوط كما تصفه كتب الفقه "ضرب بين ضربين، وسوط بين سوطين، وهكذا الضرب يكون وسطا، لا شديد فيقتل , ولا ضعيف فلا يردع . ولا يرفع باعه كل الرفع , ولا يحطه فلا يؤلم . قال أحمد : لا يبدي إبطه في شيء من الحدود ."
إذا نحن أمام عقوبة أقل من الجلد الذي تلقيناه عقابا علي عدم الحفظ في المدرسة ايام امتحانات الشهادة.
بمقابل درسونا في المدرسة أن عقوبة السرقة هي قطع اليد وهي عقوبة ضخمة وأبدية تغير حياة السارق للابد . اما الخروج علي الدولة و الإفساد في الأرض فعقوبته تتراوح بين القتل او قطع اليد و الرجل من خلاف , وهي أيضا عقوبات مرعبة تماما.
إذا فجريمة الزنا لا تكاد تساوي شيئا امام جريمة السرقة ,
من ناحية أخرى فإن الكذب يخرج من دائرة الأيمان لكن الزنا لا يخرج من دائرة الايمان .
إذا كان الجرم يقاس بحجم العقوبة فما هو الوزن الحقيقي لهذه المعصية في ميزان المجتمع لا ميزان الله.


(4)


خلال 6 أعوام من السفر الي الإقليم القصية من السودان شرقا و غربا و جنوبا بعيدا عن الحمولة الثقافية للمركز فقد سمعت الكثير من الروايات الشفاهية من أشخاص عن أن المال يقبل كتعويض مرضي وعادل عن الحوادث المتعلقة بالعلاقات غير الشرعية في بعض المجتمعات في السودان , بالمقابل فإن العار يلحق بفرد هذه المجتمعات إذا خان الأمانة أو لم يكرم ضيفه او هرب من القتال. إذا نحن أمام حالة تشبه ما كانت عليه قريش و الجزيرة العربية قبل الإسلام

(5)

هب أن رجلين في أواسط الستينات من العمر من الطبقة المتوسطة يمكنك أن تجدهما في أي مكان من الخرطوم اليوم . يمثلان الخطاب المحافظ الشائع اليوم عرضت علي مقطعي فيديو علي الاثنين
الأول لبنت أحدهما تمارس ممارسة إباحية
الثاني لابن احدهما يعترف أنه لا يصلي ولا يصوم ولا يعترف بهما
غالبا فإن الأول ربما يخر مغشيا عليه أو يبادر إلي الذهاب للبيت لقتل البنت
اما الثاني فسيغضب و سيقلق و لكنه سيحاول المبادرة للحوار مع ابنه أو سيخبر قريبه المتدين أن "يجي يتكلم مع الولد دا في زول لعب بي مخه"

(6)

في بعض الدول العربية ذات المجتمعات الأقل مدنية – وهنا نعني المدنية الثقافية و العلمية وليس المادية او العمرانية- تخفف العقوبات علي الذكور من أفراد الاسرة الذي يرتكبون جرائم قتل في حق الإناث من العائلة تحت طائلة – جرائم الشرف – و ربما يطلق سراحهم خلال عام او عامين . وهنا المفارقة أن التشريع في الإسلام يحتكر تطبيق الحدود علي ولي الامر , وحتى إن وجد الزوج رجلا في فراش الزوجية فإن الإسلام يتعامل مع الحدث بفقه اللعان وهو حكم إجرائي يترتب عليه فسخ عقد الزواج ومسائل متعلقة بالميراث و نسب الابن ..الخ لكن كل أحكام ايات اللعان لم تضع عقوبة دنيوية علي المرأة في هذه الحادثة. وإن قتلها أخوها او أبوها فالحكم هنا يصبح في خانة القتل العمد , إذا كما هو واضح فإن مفهوم شرف العائلة الذي تستند عليه هذه المجتمعات ليس له حكم تشريعي يبيح للافراد القيام بدور القضاء , فالإسلام يحترم و يعضد من استقلال مؤسسة القضاء التي قطعا لا تخضع لمثل هذه البدوية المتخلفة.



هنا تجد رابطا يقدم إضاءات حول الوضع القانوني لجرائم الشرف



(7)

المحصلة النهائية لهذه المفاهيم أنه عندما تذكر لرجل الشارع أن المجتمع اصبح فاسدا
سيبادر موافقا أن البنات أصبحن عاريات و النساء متبرجات و الاغاني الداعرة ..الخ
إذا فإن منظر سيقان فتاة أكثر إثارة لغضب المتدين من منظر رجل بلا كفاءة يتبؤ منصبا عظيما , و منظر عباءة ضيقة يستوجب كل آيات التحسر و الندم و الدعاء بان يكتب الله السلامة بينما وربما يبادر لنصحها أو كتابة مقال ..لخ , في المقابل فإن منظر الانتخابات المزورة – الي تجمع بين الكذب وخيانة الأمانة و خيانة المسلمين و اليمين الغموس و الافساد في الارض- يعتبر مجرد حادثة يومية يتبعها بعبارة – الله المستعان ياخ و الله في البلد دي - .
(8)

ما يهمني من كل هذا المقال ان أجد إجابة :
ما هي بالضبط اللحظة التاريخية التي تم سجن و اختزال مفهوم الشرف في جسد الأنثي و إلغاء كل القيم الأخرى أو تحجيمها .؟

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق