الثلاثاء، 3 مايو 2016

فيروزيات – 1- 
في مطلع التسعينات  بينما كانت بيروت ما تزال تتعافى من أثار الحرب اللبنانية و يعتاد العائدون من الحدود علي منظر الحمام في الشوارع و الازقة , وينسج العنكبوت شباكه على البندقية من جهة , و تقلع طائرات التحالف من أراضي البدو لتدك بغداد مدينة الرشيد و زرياب و تطمس معالم سامراء و الموصل حيث كانت شمس الحضارة تنير الكون  من جهة أخرى . في ذلك العام بالتحديد كان العالم ينتظر إلبوما جديدا من اللبناية ربيبة الموسيقى و و صهر آل الرحباني لتسأل السؤال الذي ستسأله الالاف النساء الشرقيات لاحقا
و القصيدة من كلمات إبنها زياد الرحباني على لسان صبية  لبنانية , يهاجر حبيبها من لبنان إثر الحرب , و تنقطع أخباره و يطوي قصتهما النسيان , فتتزوج السيدة و تمضي حياتها لكن وككل الحبيبات \الحبيبين السابقين يظهر من جديد فتقابله صدفة , و تحتشد الكلمات عبر الزمن الفاصل بين فجيعة الحظة و ذاكرة الحب و الحرب و أصوات رصاص منظمة التحرير الفلسطينة  و الاسرائلين و مليشيات أمل و كل تفاصيل لعنة الثمانينات على لبنان لتسأله ببساطة " كيفك إنت "
بتذكر آخر مرة شفتك سنتا ..بتذكر وقتا آخر كلمة قلتا
وما عدت شفتك وهلّا شفتك
كيفك إنت ملّا إنت

بتذكر آخر سهره سهرتا عنّا
بتذكر كان في وحدة مضايق منّا
هيدي إمّي ..بتعتل همّي
منّك إنتا ملّا إنتا
و عبارة ملا أنتا عبارة غزلية في الدارجة اللبنانية  , ولعلها هي ما أثنى فيروز عن غناء الاغنية لمدة أربعة اعوام
كيفك قال عم بيقولوا صار عندك ولاد
أنا و الله كنت مفكّرتك برّات البلاد
شو بدّي بالبلاد
الله يخلّي الولاد
إي كيفك إنت ملّا إنت

وهنا المفاجأة بعمق إحساس الانثى الشرقية حين تسأل " شو بدّي بالبلاد" , إذ يبدو أن قوائم الشهداء و ثقوب الجردان في شوارع بيروت لا تصمد أمام ذكرياتها الجارفة عن الحبيب العائد رغما عن خيانته وزواجه من أخرى لتعبر عن حبها حتى لهؤلاء الابناء
بيطلع عبالي
إرجع أنا وياك
إنت حلالي
إرجع أنا وياك
أنا وانت ملّا إنت
بتذكر آخر مرة شو قلتلّي
بدّك ضلّي بدّك فيكي تفلّي
زعلت بوقتا
وما حلّلتا
إنو إنت هيدا إنت
و الوصال جسر العاشقين مهما تمادو في السفر كما تقترح هذه السيدة  , على عكس كل قيم الوفاء و الشرف  الشائعة في الموروث العربي بل يبلغ الاشتعال مداه حين تقول
بترجع؟ ع راسي
رغم العِيَل والناس
إنتا الأساسي
وبحبك بالأساس
بحبك إنت ملّا إنت
إذا نحن امام حالة متاخرة من الفناء في الحب يستتنازل فيه هذه السيدة عن كل سنواتها السابقة وأبنائها وحياتها لرتكض نحو حبيبها العائد من المجهول , ويبدو أنه ركض نحو المجهول
حققت الاغنية نجاحا كاسحا في لبنان و العالم العربي و شكل لحن الرحباني - الذي كتب أول ألحانه وهو بن السابعة عشر – سلما ارتقى عليه صوت فيروز وكلماته سماء أرحب للغناء الحر
___

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق