الأحد، 15 مايو 2016

فيروزيات – 2 – (يوم ألهمت فيروز المجاهدين)


يوم أن نقل الامام علي كرم الله وجهه دار الامارة من المدينة  المنورة الي الكوفة في العراق كان ذلك بداية صارخة لنقل مركز الحراك الديني و الثقافي و السياسي من نجد و الحجاز الي  العراق و الشام , فحتى الفقهاء الأربعة – عدا الامام مالك – نشطوا خارج الصحراء في الشام و بلاد النهرين و مصر لاحقا و اصبح الاسم الاخير لأي فقيه أو عالم ينتهي باسم أعجمي ,  وأصبحت اللغة العربية نفسها بين مدرستين , الكوفة و البصرة , وتنازع القرشيون من عباسيين و أمويين و عليويين سياسيا و فكريا في قصور بغداد و أسواق البصرة  وحاكوا المؤامرات في بيوت خراسان  وانتشورا  بعيدا عن صحراء نجد مع الفتح الاسلامي شرقا حتى الصين و غربا حتى  الاندلس وجنوبا حتى دنقلا العجوز  .
عندما إستقر العرب في الاندلس لان طبعهم و لغتهم , بنو القصور وزينوها  ثم أقبلوا على اللغة نفسها وزينوها , ليبدأ سحر أخر اسمه  الشعر الاندلسي , حيث لا خيام ولا قتال و جلافة ولا بدو ولا صحاى مهلكة , بل هي بحر وأنهار و ليالي حالمة  ينبت فيها الحب كما ينبت نقش الحناء في كف عروس
بعد ان انفصلت فيروز عن زوجها الرحباني و ابنها الرحباني الصغير بدا للجمهور العربي أن نجمة سقطت من سماء المجد لكنهم كانوا علي موعد مع  ساحرة قررت إعادة إحياء سبعة قرون من السحر الاندلسي  وقصائد حكت ما فعلت صبيات برشلونة  و طليطية بالقلوب  في تلك الازمان المترفة  الجمال . إضافة الي قصائد لنزار قباني و عدد من الشعراء المعاصرين لكن جمع بينها ذات النسق الساحر الذي يجمع ما بين الاندلس و الشام , الماء و الخضرة و الوجه الحسن , العندليب و كروم العنب و أوتار العود
وما يميز هذا الألبوم هو قصر أغانيه و (متوسط ثلاث دقائق)  إضافة الي تنوع ألحانه وبراعة  الأوركسيترا و تناغم أصوات الكورس المصاحب وتلك طريقة أقرب الي الترانيم الكنسية حيث لم يعرف العرب فكرة الغناء الجماعي حتى وقت متأخر
اذا فلندخل من باب الحب الي تلك الاغاني
1 جادك الغيـث إذا الغيـث همـى   يـا زمـان الوصـل بالأنـدلـس
لـم يكـن وصـلـك إلا حلـمـا   في الكرى أو خلسـة المختلـس
طريقة الشعراء بالدعاء بهطول المطر على ما يحبون من ديار الحبيبة
فــي ليــالٍ كــتَمَتْ سـرَّ الهـوى ...بــالدُّجى لــولا شــموس الغُـرَر
مــال نجــمُ الكـأس فيهـا وهـوى ...مســـتقيمَ السّــيرِ سَــعْدَ الأَثَــرِ
وطَـرٌ مـا فيـه مـن عيـبٍ سـوى أَنّـــه مـــرّ كــلمْح البصَــرِ
....

حــين لــذّ الأُنس شــيئًا أَو كمـا = هجــم الصّبــحُ هجــومَ الحـرَسِ
غــارت الشــهْبُ بنــا أَو ربّمـا = أَثّــرت فينــا عيــون النرجــسِ
حتى يقول
ســاحر المقلــة معســول اللّمـى = جــال فــي النّفس مجــالَ النّفَسِ
و أعجب في هذا الحبيب الأكسجين , و تعود بي الذكريات الي الحبيب الذي يجول في  ممرات كلية الهندسة نحو أمجاد الترحيل البيضاء كالورقة التي تحكيها لاحقا سكرات الحب

يمكنك الاستماع لها هن
2 قصيدة الحصري القيرواني
يا ليلَ الصَّبِّ متى غَدُهُ .. أقِيامُ السَّـــاعَةِ مَوْعِدُهُ
رَقَدَ السُّــــمَّارُ فَأَرَّقَهُ .. أَسَــــــفٌ للبَيْنِ يُرَدِّدُهُ

كَلِفٌ بِغَزالٍ ذي هَيَفٍ .. خَوْفُ الواشِينَ يُشــَرِّدُهُ
نَصَبَتْ عَينايَ لهُ شَرَكاً .. في النَّومِ فَعَزَّ تَصَيُّدُهُ
 ( دا حالنا طوالي مع المحبوب طبعا )
يا مَنْ جَحَدَتْ عَيْناهُ دَمي .. وعلى خَدَّيْهِ تَوَرُّدُهُ
خَدّاكَ قدِ اعْتَرَفا بِدَمي .. فَعَلامَ جُفونُكَ تَجْحَدُهُ؟؟




( خداك متوردان حياءا وجمالا – يعترفان بحبي ليك – لكنك تمارسين الخبث الانثوي و تنكرين انجرافي نحوك)
يمكنك الاستماع لها هنا


حقق إلبوم أندلسيات نجاحا كاسحا و أعاد بعث فيروز بعد أزمتها مع الرحباني الاب و الأم و بدأت تعاون مع ملحنين آخرين
المثير للسخرية أن الإلبوم وصل حتى تأثيره حتى جماعات المجاهدين بين جبال  افغانستان و  صقيع الشيشان و شباب الاسلاميين في السودان , إنطلقت الانشودة الاشهر
خندقي قبري و قبري خندقي = وزنادي صامت لم ينطقِ
فمتى ينفث رشاشي متى = لهبا يصبغ وجه الشفقِ
أشرق النور على كل الدنا = فمتى يغمر أرض المشرقِ
نحن يا فيروز ماعاد لنا = أذن تهفو وللحن تحنْ
و كتبت ولحنت علي نفس وزن ولحن "جادك الغيث اذا الغيث همى همى يا زمان الوصل بالأندلس " , ليتردد اللحن العبقري بين الخنادق و صوت الرصاص .

يمكن الاستماع للاغنية هنا

ضم الألبوم اغاني لطيفة من كلمات شعراء حداثيين مثل  نزار قباني بعنوان "لا تسألوني ما اسمه حبيبي " و الاخطل الصغير "قد أتاك يعتذر" وشعراء قدامى كابي نواس في قصيدة "خليلي"
إن لألبوم اندلسيات روح سامية تشتعل بزهو الشباب و الحب و البكاء "والدردقة" أمام باب المحبوب حينا , واللغة الرفيعة اضافة الي صوت فيروز الملائكي لهي المسافة الفاصلة التي قطعها العرب من الصحراء المهلكة الي قلاع الحضارة في بغداد و جنان الانسانية في الاندلس
__





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق